مدونة خالد

الجزء الشفاف.. من مفكرتي

دعوات ليست بالمجان

تأملت كثيرا وأطلت البحث، فلم أجد في حياتي من يدعو للناس بالخير والصحة والحفظ من شرور الدنيا أكثر من المتسولين الذين تتزايد أعدادهم، ولله الحمد ^_^، يوما بعد يوم، وتتطور تقنياتهم مع تطور العصر.
في البدء كان الجلوس بالقرب من المساجد كفيلا بتوفير قوت اليوم، لكن بسبب تزايد عددهم، وارتفاع الأسعار، والرغبة في اقتناء سكن لائق (الله يحسن عون الجميع) اختار البعض كتابة مشكلته، أو مشكلة من وحي خياله، في وريقات وتوزيعها على زبناء المقاهي والمطاعم، ولم لا الحانات التي يعد روادها من أكرم خلق الله.. هذه الوريقات التي أصبحت مع مرور الوقت ترقن وتنمق ثم تطبع بشكل يماثل بطاقات الزيارة.

أما الآن، فقد صار المتسول آلة لتقديم الدعوات، ما إن تضع القطعة النقدية في يده – أو صحنه – حتى ينطلق لسانه متضرعا الله أن يديم عليك مالك (لتستمر في إعطائه) وأن يفتح عليك أبواب السماء… ولو كان يعتقد بنسبة قليلة أن دعاءه سيستجاب لدعا به لنفسه. والطريف أنه على قدر الصدقة تأتي الدعوات، وإذا كنت تعتقد أنه بدرهم واحد سيدعو لك المتسول بالجنة فأنت مخطئ، وإن حدث ذلك، فاعلم أنها واحدة من اثنتين: إما أن الفترة، هي موسم تخفيضات، أو أن المتسول جديد وليس لديه اطلاع على التسعيرة المعمول بها. وهنا أتذكر النكتة التي مفادها أن متسولا صعد إلى حافلة عل أحل المسافرين يتكرم عليه بصدقة، وكلما أعطاه أحد درهما قال له: الله يجعلك من الذين آمنوا.. أشار إليه أحد الجالسين في المقاعد الخلفية. هرول إليه المسكين وتسلم القطعة النقدية، ثم قال: الله يجعلك من الذين آمنوا، فلما نظر إلى يده وجدها قطعة من فئة 20 سنتيما، فاستدرك كلامه مسرعا: ثم كفروا ^_^ فلم يتبق إلا افتتاح أكشاك مثل الهواتف العمومية، يدخل المرء قطعته النقدية، ويسمع الدعاء المناسب، (أخبرني صديق أن هناك موضوعا أو رسما ساخرا سبق وأن طرح بخصوص هذه الفكرة الأخيرة، أعتذر من صاحبه إن قاسمته أفكاره)

الأفظع من هذا، وهو ما استفزني لكتابة هذه الأسطر، أنني شاهدت عجوزا متكئا على عمود إنارة، فاقتربت منه علني أعرف سبب وقوفه بتلك الطريقة المثيرة، فإذا امرأة في الخمسينات تقريبا، تضع قطعة نقدية في يده، ثم تقول له بنوع من العتاب اللطيف، بعدما لم تنبس شفتاه بكلمة: ” إيوا دعي معايا !! “

كأنها لا تدري أن يدها العليا خير من يده السفلى، وأن الصدقة تطفئ غضب الرب، فما عليها إلا تحتسب الأجر عنده تعالى ثم تسأله مسألتها بنفسها بدل أن تستعمل ” الواسطة “.

عدد التعليقات: 0

إرسال تعليق